أيها المسلمون: جاء الإسلام حريصا بتشريعاته على سمو الأنفس وطهارتها ناهيا عن مواطن الريب وأماكن الخنا، فبين الحلال وشرف صاحبه، ونهى عن الحرام، ووضع الحدود الزاجرة لمقارفته، إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين ءامنوا لهم عذاب أليم [النور:19]. أجل لقد قضت سنة الله أن الأمم لا تفنى والقوى لا تضعف وتبلى إلا حين تسقط الهمم وتستسلم الشعوب لشهواتها، فتتحول أهدافها من مثل عليا وغايات نبيلة وإلى شهوات دنيئة وآمال حقيرة متدنية، فتصبح سوقا رائجا للرذائل ومناخا لعبث العابثين، وبها ترتفع أسهم اللاهين والماجنين فلا تلبث أن تدركها السنة الإلهية بالهلاك والتدمير، وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً [الإسراء:16].
أى مسلم يرغب أن يخان في أهله … وأي عاقل يرضى أن يكون سببا في اختلاط الأنساب من حوله، وأي مؤمن يرضى بالخيانة والخديعة والكذب والعدوان؟ ومن ذا الذى يتبع عدوه الشيطان ويحقق حرصه على انتهاك الأعراض، وقتل الذرية؟ وإهلاك الحرث؟
تلكم معاشر المسلمين وغيرها أعراض وآفات مصاحبة لفاحشة الزنا، هذه الجريمة التى جعلها الله قرينة للشرك بالله في سفالة المنزلة وفي العقوبة والجزاء فقال تعالى: الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين [النور:3].
ويقول في الجزاء والعقوبة وهو يقرن بين الزنا وغيره من الموبقات: والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً %يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً الآية [الفرقان:68-69].
وفى مقابل ذلك ربط السعادة وعلق الفلاح بخصال حميدة، منها حفظ الفروج عن الزنا فكان فيما أنزل الله: قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون [المؤمنون:1-7].
وتدل الآية على أن من قارف الزنا وتجاوز الحلال إلى الحرام فقد فاته الفلاح، ووقع في اللوم، واتصف بالعدوان(4).
أيها المؤمنون ـ وقاني الله وإاياكم الفتن والشرور ـ وليس الايمان بالتمني ولا بالتحلي، فهو سلعة غالية، وهو مكانة عالية، وهو طريق السعادة في الدنيا والاخرة، لكنه جهاد ونية وصبر وتضحية وضبط لزمام النفس وتعال عن الشهوات المحرمة.
والإيمان بإذن الله حرس للمرء عن الوقوع في المحرمات، وهو درع يحمي صاحبه عن المهلكات، لكن الزنا ـ معاشر المسلمين ـ يخرم هذا الحزام من الأمان، ويدك هذا الحصن الحصين، وينزع هذا السرياخ الواقي باذن الله إلا أن يتوب، يقول عليه الصلاة والسلام: ((إن الايمان سربال يسربله الله من يشاء، فإذا زنى العبد نزع منه سربال الإيمان، فإن تاب رد عليه)).
ولا يجتمع الايمان مع الزنا، والمصطفى صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ....)) الحديث .
وتحذر أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وهي تروي هذا الحديث وأمثاله، تحذر الأمة وتقول: ((فإياكم وإياهم (1)...)).
كما جاء في رواية أخرى من روايات الحديث بيان الفرق بين الإيمان والزنا، وكرم هذه وخسة ذاك، فقد ورد: ((لا يسرق السارق وهو مؤمن، ولا يزني الزاني وهو مؤمن، الإيمان أكرم على الله من ذلك(2))).
ورد أيضا عنه صلى الله عليه وسلم بهذا الخصوص قوله: ((إذا زنا أحدكم خرج منه الإيمان وكان عليه كالظلة، فإذا انقلع رجع إليه الإيمان))(3).
إخوة الإيمان ـ عصمني الله وإياكم والمسلمين من الفواحش ما ظهر منها وما بطن ـ وكم أذل الزنا من عزيز، وأفقر من غني، وحط من الشرف والمروءة والإباء، عاره يهدم البيوت ويطاطئ عالي الرؤوس، يسود الوجوه البيضاء، ويخرص ألسنة البلغاء، ينزع ثوب الجاه عمن قارفه، بل يشين أفراد الأسرة كلها .. إنه العار الذى يطول حتى تتناقله الأجيال.
بانتشاره تضمر أابواب الحلال، ويكثر اللقطاء، وتنشأ طبقات بلا هوية، طبقات شاذة تحقد على المجتمع وتحمل بذور الشر ـ إلا أن يشاء الله ـ وحينها يعم الفساد ويتعرض المجتمع للسقوط.
أيها العقلاء: فكروا قليلا في الصدور قبل الورود، وتحسبوا لمستقبل الأيام، وعوادي الزمن قبل الوقوع في المحظور، واخشوا خيانة الغير بمحارمكم إذا استسهلتم الخيانة بمحارم غيركم، وكم هي حكمة معلمة تلك الكلمات التي قالها الأب لابنه حين اعتدى في غربته على امراة عفيفة بلمسة خفيفة، فاعتدي في مقابل ذلك السقاء على أخته بمثلها، وحينها قال الأب المعلم لابنه: " يا بني دقة بدقة، ولو زدت لزاد السقاء ".
وإياكم إياكم إن تلوثوا سمعتكم، وفيما قسم الله لكم من الحلال غنية عن الحرام.
وتصوروا حين تروادكم أنفسكم الأمارة بالسوء أو يراودكم شياطين الجن والإنس للمكروه، تصوروا موقف العبد الصالح حين راودته التي هو في بيتها عن نفسه، وغلقت الأبواب وقالت هيت لك، قال: معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون.
أجل لقد رأى الصديق عليه السلام برهان ربه، وصرف الله عنه السوء والفحشاء، وعده في عباده المخلصين.
في مثل هذه المواقع يبتلى الإيمان، وفي مثل هذه المواقف يمتحن الرجال والنساء، وفي مثل هذه المواطن تبدو آثار الرقابة للرحمن، وهل تتصور يا عبد الله أنك بمعزل عن الله مهما كانت الحجب، وأيا كان الستار؟ كلا، فالله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وهو الذي يعلم السر وأخفى ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير [الملك:14].
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل خلوت ولكن قل عليّ رقيب
إخوة الإسلام: ومستحل الزنا في الإسلام كافر خارج من الدين، والواقع فيه من غير استحلال فاسق أثيم، يرجم إن كان محصنا، ويجلد ويغرب إن كان غير محصن(2).
لا ينبغي أن يدخل فيه الوساطة والشفاعة، وينهى المسلمون أن تأخذهم في العقوبة الرأفة والرحمة، وأمر المولى جل جلاله أن يقام الحد بمشهد عام يحضره طائفة من المؤمنين ليكون أوجع وأوقع في نفوس الفاعلين والمشاهدين.
قال تعالى: الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين [النور:2].
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه. ..